كانت الترجمة الآلية في الماضي أضغاثَ أحلام ، أمّا الآن وبفضل التقدّم العلمي الهائل في العقد الأخير باتت الحواسيب قادرة على ترجمة النصوص من لغة إلى أخرى.
ما الترجمة الآلية؟
فور دخولها الأسواق العالمية، حصدت الترجمة الآلية انتباه وإعجاب العديدين. ويمكن تعريفها بأنها تقنية حديثة لأتمتة عمليات الترجمة، يتم فيها توظيف خوارزميات الحواسيب لترجمة النصوص من لغة إلى لغة أخرى. وتساعد الترجمة الآلية المستخدمين على التغلب على العوائق اللغوية وتسهيل التواصل بغض النظر عن لغات المستخدمين المختلفة.
وحتى مطالع الألفية الجديدة، كانت الترجمة الآلية مهمة شاقة على الحواسيب، وصَعُبَ على العلماء تطبيق هذه الفكرة الثورية. وما هي إلا سنوات حتّى تمكّن العلماء من تطوير حواسيب مدرّبة خصيصًا، عملت على تحويل اللغات البشرية إلى قواعد بيانات إحصائية لتصيير الترجمة الآلية واقعًا ممكنًا. استغرق تدريب تلك الحواسيب عملًا دؤوبًا ووقتًا طويلًا، وكان من الضروري إعادة بدء العملية مجددًا مع كل لغة يتم إضافتها.
بدأ فريق اختبار لدى شركة غوغل باختبار نماذج التعلم العصبي والذكاء الاصطناعي لتدريب محرّكات الترجمة الآلية في العام 2016. وسرعان ما حصد الفريق الصغير ثمار جهده، إذ تفوّقت منهجية تعلم اللغات بفعاليتها وكفاءتها على محرّك الترجمة الآلية الرئيسي القائم على البيانات الإحصائية. علاوة على ذلك، تمكّن نموذج التعلم العصبي من “التعلّم” مع الاستخدام، فكان دائمًا في تطور وتحسّن مستمرين.
الترجمة المؤتمتة والترجمة الآلية: ما الفرق؟
رغم تشابه المصطلحين، إلا أن الفرق واضح بينهما.
فيشير مصطلح الترجمة المؤتمتة إلى عملية بناء أداة مؤتمتة تعمل ضمن برنامج حاسوبي، مثل أداة ترجمة حاسوبية (تعرف باسم أدوات الترجمة بمساعدة الحاسوب)، أو أنظمة إدارة الترجمة الحديثة. وتعمل الترجمة المؤتمتة بقصد تقليل التدخل البشري في المهام اليدوية أو المتكررة ذات الصلة بالترجمة.
يمكن استخدام الترجمة المؤتمتة في النصوص الشائعة الاستخدام، مثل إخلاء المسؤولية القانونية، حيث يتم نقلها من قاعدة بيانات كبرى إلى المستندات والوثائق، كنظام إدارة المحتوى. كما يمكن أن تساعد على أتمتة الترجمة الآلية لتكون بمثابة خطوة من خطوات عمليات التوطين.
ما أنواع الترجمة الآلية؟
بشكل عام، يمكن حصر الترجمة الآلية في أنواع ثلاثة، ألا وهي:
1- الترجمة الآلية القائمة على القواعد
من الممكن القول بأن هذا النوع هو الأقل استخدامًا بين أنواع الترجمة الآلية، إذ أن مساوئه تطغى على حسناته، وقلّما يلبّي ما يطلبه الإنسان من خدمات لغوية. فمن سيئاته الحاجة إلى تدقيق النتائج لغويًا وضرورة إضافة اللغات يدويًا، إلى جانب تدنّي الجودة بشكل عام. أما عن استخداماته فيمكن الاستفادة من هذا النوع في المواقف التي يجب فيها إيصال فكرة بشكل سريع.
2- الترجمة الآلية الإحصائية
تمكّن هذا النوع من الترجمة الآلية من فهم طبيعة اللغات البشرية بدرجة متوسطة، فيعمل على بناء علاقة ثابتة ومنظمة بين الكلمات والعبارات والجمل في النص بقصد ترجمتها إلى اللغة الهدف. إلا أنه ليس أفضل نموذج لأنه يعاني من مشاكل مشابهة لمشاكل النوع الأول السابق الذكر.
3- الترجمة الآلية العصبية
يدل اسمها على تشابهها مع الشبكات العصبية في العقل البشري، رغم عدم وضوح تلك الشبكات للعلماء حتى اليوم. فهذا النموذج من الترجمة الآلية قائم على الذكاء الاصطناعي الملمّ باللغتين المصدر والهدف، والقواعد اللغوية الخاصة بكل منهما. ويعطي هذا النوع أكثر النتائج دقة وبأسرع وقت.
أي نوع من الترجمة الآلية يجب استخدامه؟
من الضروري تحديد نوع الترجمة الآلية التي يريدها العميل، ولمعرفة الجواب، عليك الإجابة عن الأسئلة التالية:
ما الميزانية؟ تفوق تكلفة الترجمة الآلية العصبية على الترجمة الآلية الإحصائية، لكن الجودة العالية تسوّغ الفرق الواضح في السعر. ولذا، تميل الشركات إلى الاستفادة من الترجمة الآلية العصبية بدلًا من الإحصائية.
ما الصناعة؟ تتطلّب بعض الصناعات نتائج عالية الجودة وشديدة الدقة، مثل البحث السياسي والمؤتمرات. وعليه، يجب استخدام نموذج متقدّم جدًا من الترجمة الآلية لهذا الغرض.
أي لغة تحتاج؟ في حالة الترجمة بين اللغات متشابهة الأصل، كاللغات الرومانسية النابعة من أصل لاتيني واحد، يمكن الاستفادة من التشابه النحوي والتركيبي بين اللغتين، فيكون استخدام نموذج الترجمة الآلية الإحصائي كافيًا.
ما كمّ البيانات التي أملكها؟ تقوم الترجمة الآلية العصبية على الذكاء الاصطناعي، والذي يحتاج إلى كميات هائلة من البيانات المترجمة بالفعل للعمل وإعطاء النتائج.
المحتوى الداخلي والمحتوى المخصص للعملاء: يجب الجمع بين الترجمة الآلية والترجمة البشرية الاحترافية عند الرغبة بترجمة المحتوى المخصص للعملاء العاكس لجودة العلامة التجارية، مثل نصوص التسويق والمبيعات. وفي حال كانت الميزانية محدودةً أو الوقت ضيقًا، يمكن الاستعانة بالترجمة الآلية البسيطة لترجمة المحتوى المخصص للموظفين أو لغايات التوثيق الداخلي.
الترجمة الآلية والترجمة البشرية
بعد اكتساح الترجمة الآلية مجال الترجمة، لم يعد الإنسان بحاجة إلى الترجمة من الألف إلى الياء، بل صار بالإمكان إسناد بعض أجزاء عملية الترجمة إلى الترجمة الآلية.
فواحدة من إيجابيات الترجمة الآلية كبديل عن الترجمة من الصفر هي الحاجة فقط إلى إجراء تدقيق لغوي تابع للترجمة الآلية من قبل مترجم خبير. ويومًا بعد يوم يتزايد اعتراف الشركات ومزوّدي الخدمات اللغوية بهذه المهمة المستجدّة.
تفهم الآلة معني كلمة “تفاحة” باللغات العربية والفرنسية والألمانية وغيرها من اللغات المكتشفة حول العالم، لكن هذا أقصى ما يمكن للترجمة الآلية فهمه. فلم تتمكن بعد من ترجمة المشاعر والأفكار والتعاطف والمعتقدات.
فعلى سبيل المثال، عند ترجمة العمل الأدبي العظيم “البؤساء” للروائي الفرنسي فيكتور هيوغو، من الحتمي بث مشاعر البؤس والأسى ذاتها في نفس القارئ المتحدّث باللغة الإيطالية. فهنا يكمن جمال الترجمة؛ إذ تَفُوق نقل الكلمات من لغة إلى أخرى، وهو أمر ما زالت الترجمة الآلية بعيدة بأشواط عن تحقيقه كالبشر.
وبالمقابل، يمكن الاعتماد على الترجمة الآلية لترجمة النصوص التقنية، بقصد توفير الوقت والجهد والمال.
من أكبر مزودي خدمات الترجمة الآلية؟
يعتمد عمالقة التكنولوجيا مثل غوغل ومايكروسوفت بشكل كبير على الترجمة الآلية العصبية في تطبيقاتهما والخدمات، فصار من الإمكان إنتاج ترجمة دقيقة ومتّسقة، إلى جانب إضافة اللغات.
أكثر تطبيقات الترجمة الآلية شيوعًا:
غوغل ترجمة
نعلم يقينًا بأن هذا التطبيق موجود على كافة الهواتف المحمولة. بات اليوم أكثر محرك ترجمة آلية شهرة في العالم. وبسبب منهجيته القائمة على المعالجة العصبية للغات، صار أول محرك ترجمة آلية يتعلّم مع الاستخدام المتكرر. وعلى مر السنين تم تطويره ليصير أكثر دقة ومنطقية وصحّة.
ترجمة أمازون خدمة Amazon Translate
تقوم هذه المنصة على الشبكات العصبية وتدمج بشكل مباشر مع خدمات AWS من أمازون. وثمة أمثلة على تفوّق خدمة الترجمة من أمازون على نظيراتها في لغات محددة أهمها اللغة الصيني. لكن من المهم قبل المقارنة بين تطبيقات الترجمة الآلية تذكّر أنها جميعًا في تطوّر وتعلّم مستمرين.
مترجم مايكروسوفت
وهو مثال آخر على محرك عصبي سحابي، يقدّم نتائج ترجمة فورية عبر منتجات مايكروسوفت، منها حزمة مايكروسوفت أوفيس.
ما مزايا الترجمة الآلية؟
تباينت جودة الترجمة الآلية بشكل هائل في المراحل الأولى من التعلّم العصبي، حتى كانت بعض النتائج هزلية من فرط الضعف اللغوي، بينما كان نتائج أخرى غير مفهومة البتة. وحتّى قبل الشروع بالتعلم العصبي، كانت الترجمة الآلية في بوادئها، ولم تكن منتجًا نهائيًا كاليوم. إلا أن الحال انقلبت رأسًا على عقب بعد تطوّر أدوات الترجمة الآلية الحديثة، والتي صارت جزءًا لا يتجزّأ من عملية الترجمة.
السرعة والكمية
تظل الترجمة الآلية في تحسّن مع كل نص يتم ترجمته. فتمتلك القدرةَ على معالجة كمٍّ لا يمكن تصوره من المحتويات بسرعة خاطفة، إذ تترجم ملايين الكلمات لحظيًا، إلى جانب العمل مع أنظمة إدارة المحتوى التي تساعد على تنظيم وتقسيم النتائج. وبهذه الطريقة يمكن ترجمة النصوص إلى عدة لغات ونقل سياق وترتيب النص الأصلي إلى اللغة الهدف.
تشكيلة واسعة من اللغات
يقدّم معظم مزوّدو اللغات خدمات الترجمة بين 50-100 لغة، الأمر الذي يتيح إطلاق المنتجات عالميًا وإصدار التحديثات بشتّى اللغات بذات الوقت
خفض التكلفة وتقليل الوقت
إلى جانب السرعة الهائلة والقدرة على اختيار أي من اللغات المتعددة، تساعد الترجمة الآلية على خفض التكلفة وتقليل الوقت، حتّى مع قيام المترجمين عاليي الكفاءة بمهمة التدقيق اللغوي التابع للترجمة الآلية. فتصدر تطبيقات الترجمة الآلية ترجمة مبدئية بسيطة تزيل جزءًا كبيرًا من العمل اليدوي عن عاتق المترجمين. ومن ثم يقوم مترجم خبير بتدقيقها لضمان الاتّساق والتوطين الصحيحين، والتأكد من الحفاظ على المعنى الأصلي.
لربّما يستعصي علينا ذكر آخر مرّة اضطرّ الإنسان فيها إلى ترجمة عملٍ ما من الألف إلى الياء دون الاتّكال على الترجمة الآلية ولو قليلًا. وليس هذا تقليلًا من شأن الإنسان الذي بإمكانه تحقيق المستحيل، بل إشادةً بسهولة استخدام الترجمة الآلية وسرعتها. إلا أن الترجمة الآلية لن تستبدل الترجمة البشرية كليًا ولو بعد دهور، لأن الترجمة تكون في أبهى صورها بعد إضفاء الإنسان لمسته عليها.
Leave a Reply