Posted by: GibranAdmin Category: Arabic Comments: 0

أن أقتحم عالمك الصغير بلغة أجنبيّة أبعد ما تكون عن لغتك في الحقيقة، وأخاطبك بلسانك القومي، وأن أتقمّص شخصيتك الوطنية مستخدمًا لهجة أرضك والعبارات اليومية المتداولة في حوارك مع أسرتك وأصدقائك وأبناء جلدتك لأصِل برسالتي بطريقة تحاكي أصولك الجغرافية، وأن أعبر عن هويتك وكل ما ينتمي إليك هو ما يُطلق عليه “توطين اللغة”.

ما هو توطين اللغة؟

يُعرّف توطين اللغة بأنه “تطويع الترجمة لتُحاكي ثقافة بلد أو منطقة جغرافية معينة، فهي الخطوة الثانية لترجمة المنتجات أو الخدمات وتهدُف لتوسيع نطاق السوق أو الجمهور المُخاطب ونشر الوعي بالخدمة إلى فئات متنوعة من الجمهور.[1]” ويسبق خطوة التوطين Localization مرحلتان جوهريتان؛ وهما أولًا العولمة (العالم أجمع) Globalization ثم الأممية (أمة محددة كالأمة العربية مثلًا) Internationalization انتهاءً بالتوطين (دولة أو مجموعة معينة). [2]

هل يُعد كل من التوطين والترجمة الشيء ذاته؟

الإجابة لا، تُعد عملية الترجمة بسيطة بالنسبة للتوطين. حيث يتضمن التوطين خطوات أكثر تعقيدًا وتفصيلًا؛ فالأمر لا يقتصر على صياغة نصّ صحيح لغويًا ومراعٍ للقواعد النحوية والمعنى كالترجمة وحسب، بل يتعمق توطين النص إلى مراعاة الأبعاد الثقافية لمجتمع ما. حيث أنّ الترجمة هي تحويل نصّ من الإنجليزية إلى العربية على سبيل المثال، بينما التوطين قد يتضمن تحويل نصّ عربي بالفعل (بالعربية الفصحى مثلًا) ليحاكي ثقافة عربية محددة (خليجية أو مغربية مثلًا)، فعلى الرغم من أنّ كلاهما ينتمي إلى نفس اللغة، إلّا أنّ التوطين يخصص النصّ لجمهور محليّ معين ويراعي الاختلافات بين اللهجات العربية.

كيف كانت بداية توطين اللغة؟

كانت بدايات توطين اللغة في ثمانينيات القرن الماضي، والتي تزامنت مع ظهور الحواسيب المكتبية المُخصصة للاستخدام الشخصي أو التجاري بعدما كان استخدامها مقتصرًا على المُتخصصين في برمجة الحواسيب والجهات الأكاديمية والمؤسسية.

حتى حلّت الثمانينيات وبات التفكير في توسيع نطاق السوق وخروجه من عباءة المستوى المحلي أمرًا حتميًا. حيث شرعت شركات مثل Microsoft وSun microsystems في الانتشار ومدّ نفوذها وخدماتها إلى السوق العالمي، فبدأت الشركات في ترجمة وتطويع برامجها وتطبيقاتها ووثائقها لتلائم احتياجات العملاء الجدد، وهنا ظهرت الحاجة للتوطين. ولكن حتى هذا الوقت لم يكن التوطين صناعة مستقلة بذاتها.

ثم تأتي مرحلة بداية تسعينيات القرن الماضي، وكانت شركات توطين اللغة المحلية وقتها تعمل من خلال شركات أكبر مثل Microsoft وOracle. فيقوم المبرمجون أولًا بتطوير التطبيقات محليًا ثم تُرسل إلى فريق الترجمة والتوطين لهندلة محتواها، ويتم التنفيذ في أوروبا وتحديدًا في أيرلندا والتي كانت تُعد مركزًا لقطاع التوطين آنذاك لعدة أسباب مثل العمالة غير المُكلفة ماديًا، والاستثناء من ضريبة القيمة المضافة، كما أنّ الشعب الأيرلندي كان يتمتع بمستوى عالٍ من التعليم ومعدلٍ سكاني محدود في الوقت ذاته.

وبمرور الوقت، واجهت الشركات متاعبًا تتعلق بفقر الكفاءات في قطاع التوطين؛ فلم يكن المطوّرون والمترجمون العاملون بتلك الشركات على دراية كافية بتقنيات توطين اللغة، مما دفع الشركات إلى صناعة أدوات تقنية خاصة بأقسام بتوطين اللغة لديهم لتلبية احتياجات مشاريع توطين التطبيقات الخاصة بهم.

لاحقًا، أدركت الشركات ظهور بعض المشكلات التقنية في أدواتهم وأنّ عليهم الاستعانة بمصادر خارجية لدعم خدمة التوطين لديهم، مما أدى إلى بدء ظهور كيان مستقل لتوطين اللغة كقطاع، وبدأ متخصّصو هذه الخدمة في الترويج لأنفسهم من خلال تأسيس وكالات مستقلة لتوطين اللغة مجاراةً للنمو والحاجة المتزايدة لهذه الخدمة تحديدًا في بداية التسعينيات.

ما هي أهمية توطين اللغة؟

لتوطين اللغة عدة أهميّات تتمثّل في التالي:

  • يُعد توطين اللغة بوابة الأسواق العالمية واستقطاب قطاعات جديدة أكبر وأكثر تنوعًا من العملاء لنشر العلامة التجارية الخاصة بالشركات.
  • إذا أردت كسب ثقة جمهور محلي ما، فعليك حتمًا مخاطبته بلسانه وتقمّص هويته، أي أنّ الرسالة مخصصة له، لتكون لك الأولوية على المنتج الأجنبي.
  • بالنسبة لجمهور بلد أو منطقة ما، فإنّ استخدامك لمفرداتهم وفهمك لثقافتهم بشكلٍ يُسهّل عليهم المعاملات هو سبب أساسي للشعور بالرضا عن خدمتك مما يزيد رصيدك لديهم.
  • الإلمام بثقافة الجمهور المستهدف وتقاليده يُجنّبك الوقوع في خطأ المساس بخطوطه الحمراء في صياغة رسالتك التسويقية، فإن كنت غريبًا عن المجتمع الذي تريد استقطابه تسويقيًا قد تستخدم رموزًا كمادة للفكاهة مثلًا والتي ربما تكون ممنوعة أو مقدسة بالنسبة للجمهور وستُستبعد علامتك التجارية شعبيًا.

أمثلة شهيرة لمشاريع في توطين اللغة

ربما لم نكُن حينها مدركين للمفهوم التقني، ولكن التوطين كان جزءًا لطيفًا للغاية من طفولتنا بفضل أفلام الكرتون الخاصة بشركة Disney والمترجمين ومُتخصصي التوطين الرائعين الذين طوّعوا الشخصيات والحوار ذوي الثقافة الأجنبية بالأصل إلى نسخ عربية اعتبرناها جزءًا من يومياتنا ولم نستشعر هويتها الحقيقية في النسخ الأصلية من الأفلام.

فرغم كِبرنا لا نستطيع تخيل شخصية Mike Wazowski سوى أنه “مارد وشوشني” كما سُمّي في النسخة المصرية من فيلم Monsters! توطين اللغة هو كل المؤثرات المرتبطة بهويتك التي تقابلها في يومك، دعني أذكرك:

  • خدمة العملاء

الخاصة بشركات الاتصالات التي تتعامل معها توفّر لك الرسائل النصيّة والمُسجلة بلهجتك المحلية كي تخبرك بمستجدات رصيد هاتفك أو المستجدات بشأن العروض والخدمات.

  • أجهزة GPS

بينما تبحث عن وجهة محددة تزورها لأول مرة في عاصمة بلدك مثلًا، من المنطقي أن يكون صديقك في الطريق (جهاز GPS) متحدثًا بلغتك ومُلمًا بكافة الطرق والشوارع وعناوين البيوت وهو شكل من أشكال التوطين.

  • الدبلجة

وهي الأكثر تأثيرًا في تشكيل وجداننا من خلال الأفلام والإعلانات والمسلسلات والتي تتضح فيها متعة وإبداعية توطين الثقافة وإيجاد المُكافئ الثقافي للأمثال الشعبية وأسماء الشخصيات وغيرها من أشكال الثقافة الغربية لتكون مألوفة للجمهور العربي على سبيل المثال. حيث أنّ الإعلانات التي تُدبلج إلى لهجة معينة لجمهور بلد معين تُسهم في سرقة أنظار جمهور هذا البلد، فمُخاطبهم يقدم لهم الخدمة وكأنما كان أحد أصدقائهم أو جيرانهم.

وهناك أيضًا أمثلة محبوبة للغاية خاصة الرسوم الكرتونية للأطفال؛ لا سيما إصدارات ديزني مثل أفلام شركة المرعبين المحدودة أو ([3]Monsters,2001)، وحكاية لعبة (Toy story, 1995[4])، وأيضًا مولان (Mulan,1998[5]) وغيرها الكثير من الأعمال التي علِقت بأذهاننا وذكرياتنا بتميُّزها.

  • دليل المستخدم الخاص بالأجهزة

من أنواع النصوص التي يساهم توطينها في حل الكثير من المشكلات المتعلقة باستخدام الأجهزة المنزلية والإلكترونية وغيرها.

  • ألعاب الفيديو

هذه النقطة بالتحديد من النماذج الأشهر بين فئة الشباب، لأن توطين الألعاب الإلكترونية وتحويلها لنسخة محاكية للجمهور العربي يجعلها أكثر رواجًا ومتعة للمستخدمين وتُكسب اللعبة شخصية مميزة ومألوفة للجمهور.

  • المواقع الإلكترونية

أثناء بحثك اليومي عبر جوجل أو غيره من محركات البحث، وتصل للموضوع الذي ترغب في القراءة عنه في مقال على موقع إلكتروني ما وتبدأ بتصفح هذا الموقع، يكون من المُحبب بالنسبة لك أن يُعرّف لك الموقع عن هدفه ونشأته وأقسامه بلغتك اليومية.

فيلمك المفضل، ذكريات طفولتك، مدرستك القديمة، أماكنك المفضلة للإجازة السنوية، أعيادك الوطنية، وحديثك اليومي مع أصدقائك.. كل هذا وأقرب هو بعينه توطين اللغة. يمكن للمبدعين في جبران مساعدتك في الحصول على خدمة توطين اللغة بشكلٍ إبداعي ومُحترف ومنتمٍ إليك!

[1] Language localization\ Wikipedia

[2]The overall process: internationalisation, globalisation and localisation

[3] Monsters\ Wikipedia

[4] Toy story\ Wikipedia

[5]Mulan\ Wikipedia

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *