نبذة عن تاريخ الترجمة وتقنياتها

الترجمة باختصار هي عملية إيصال رسالة نص ما إلى الجمهور المستهدف عبر لغة أخرى. ورغم الجدل المحيط بأصل الترجمة، فمن الممكن الجزم بأنها تسبق الإنجيل. بدأ البشر بالترجمة منذ عصور وخاصة مع التواصل عبر الثقافات وازدهار التجارة وعولمة الاقتصاد وتبادل المعرفة مع الوقت.
سهلت الترجمة عملية التفاهم البشري، وصارت خدمة لا يمكن الاستغناء عنها. إليك نبذة عن رحلة الترجمة عبر العصور.
أوائل الترجمة
ثمة العديد من النظريات التي تحاول تفسير بدايات الترجمة، والتي تعطي فكرة واضحة عن طبيعة عملية الترجمة، ومتى استخدمت وأين.
ويجب توضيح عدة أمور قبل الخوض في تاريخ الترجمة. بداية، كلمة ترجمة كما وردت في قواميس العرب تعني نقل الكلام من لغة إلى أخرى، والفاعل هو المترجم، والخبير هو الترجمان بفتح التاء أو ضمّها، والمصدر هو الترجمة وجمعه التراجم.
وكلمة الترجمة في شتّى اللغات مثل الإنجليزية تعني الأمر ذاته، أي حمل النص من لغة إلى أخرى.
وترجّح بعض النظريات أن الترجمة ابتدأت في بلاد ما بين النهرين القديمة، حيث تمت ترجمة “ملحمة جلجامش” من اللغة الأكّادية إلى المسمارية. كما وجدت لوائح ترجمها النسّاك من اللغة الهندية إلى الصينية.
وصرّح الكاتب والفيلسوف الروماني الشهير شيشيرون في كتابه ” في الخطابة” أن الترجمة لا يجب أن تكون “حرفًا بحرف”، وشبّه خطيب الرومان مهمة المترجم بمهمة الفنان.
ولعب المترجمون منذ عصر الزمان دورًا في تشكيل اللغات التي يترجمون منها وإليها، ومنها ترجمة النصوص المقدّسة والدينية.
وصف الشاعر والمترجم الإنجليزي جون درايدن عملية الترجمة بأنها “المزيج الناعم بين أسلوبين من التعبيرـ عند اختيار المفردات المقابلة أو المكافئة لتلك المستخدمة في النص الأصلي في النص المترجم”.
تقنيات متعددة للترجمة
النزاهة والشفافية:
وهما ركيزتان مهمتان في الترجمة. أما النزاهة فهي درجة إيصال النص المترجم للمعنى الأصلي دون تحريف، بينما الشفافية درجة التزام النص المترجم بضوابط اللغة، بحيث يمكن للمتحدثين بتلك اللغة فهم النص المترجم فهمًا تامًا، ويكون النص مراعيًا لقواعد النحو والصرف. فالترجمة التي تفي بمقياس النزاهة تسمّى ترجمة “نزيهة”؛ بينما الترجمة التي تفي بمقياس الشفافية تسمّى “اصطلاحية”.
الترادف:
ويؤثر مبدأ الترادف على النزاهة والشفافية أيضًا، ويعني وجود مصطلح مكافئ في اللغة المترجم إليها. إذ ثمة “مكافئ رسمي” و”مكافئ ديناميكي أو عملي”. ويمكن تطبيق نوعي الترادف على شتّى أنواع الترجمة، بحيث يكون المكافئ الرسمي بمثابة الصياغة الحرفية، ويتّبع المكافئ الديناميكي أو العملي مبدأ إعادة الصياغة. لا يوجد فرق واضح بين النوعين، وكلاهما جائز حسب نهج الترجمة.
الترجمة الارتداديّة:
تعرف أيضًا باسم “الترجمة العكسية”، ويقصد بها عملية إعادة ترجمة النص إلى لغته الأصلية دون الرجوع إلى النص الأصلي. وتستخدم هذه التقنية للمقارنة بين النص الأصلي والمترجم للتحقق من دقة الترجمة الأصلية. ودرج استخدام الترجمة العكسية لاسترجاع النص الأصلي بعد فقدانه وبقاء النسخة المترجمة فقط.
الاقتراض:
وتعني وضع الكلمات أو العبارات مباشرة من النص الأصلي في النص المترجم. وتفيد هذه التقنية في حالة عدم وجود مقابل للكلمة في اللغة المترجم إليها، أو للمحافظة على السياق الثقافي للنص الأصلي.
التقليد اللغوي:
ببساطة، هي الترجمة الحرفية لكلمة مقترضة، أي تفسير معنى العبارة بشكل مباشر.
الترجمة الحرفية:
تتم ترجمة كل كلمة كما هي في الترجمة الحرفية، ويكون النص مماثلًا للنص الأصلي من حيث ترتيب الكلمات ومعناها وأسلوبها. وتغيب بعض التفاصيل اللغوية في النص المترجم، ولا يمكن استخدام هذه التقنية إلا مع اللغات المتشابهة ذات الثقافات المتشابهة.
التحويل:
ويعني تغيير البينة النحوية للنص الأصلي مع الحفاظ على المعني الأصلي. ومثل هذه التقنية ضرورية عند الترجمة بين اللغات ذات الضوابط النحوية المختلفة.
التعديل:
ويعني تغيير النص الأصلي لنقل الفكرة ذاتها بعبارات موجودة في اللغة المترجم إليها. وفي التعديل تتم ترجمة النص حسب قواعد اللغة المترجم إليها.
الترادف:
تشبه هذه التقنية التعديل، ويتم فيها إيجاد مقابل للعبارة أو الكلمة أو التعبير في اللغة المترجم إليها.
التكييف:
يعرف أيضًا باسم “الاستبدال الثقافي” وفيه يتم إيجاد مكافئ ثقافي موجود في اللغة المترجم إليها ما يجعل النص أسهل للفهم، وخاصة إن تعلّق الأمر بوحدات القياس.
التعويض:
وباستخدام هذه التقنية يقوم المترجم بتعويض نقص في المعنى من النص الأصلي عن طريق تفسير المعلومة خلال النص المترجم.
الاختزال:
حيث يزيل المترجم الكلمات الزائد أو غير الضرورية التي ليس لها تأثير على المعنى.
الإسهاب:
عكس الاختزال، فيضيف المترجم كلمات للحفاظ على المعنى، وقد يكون بسبب الفروقات في بنية الجمل أو النحو أو المصطلحات بين اللغتين.
الخاتمة
وبالنهاية، تتغير عملية الترجمة بتغيّر اللغة نفسها. وتباينت أساليب الترجمة وأدواتها وتقنياتها منذ القدم وحتى اليوم. أما النسبة للأساليب والتقنيات الوارد ذكرها، فيعود الخيار للمترجم لتحديد أيها أنسب حسب نوع النص ورغبة العميل.
المصادر:
Leave a Reply