GibranAdmin2023-07-16T07:35:19+00:00
في الآونة الأخيرة، ومع انتشار المترجمين المستقلين عبر الإنترنت وازدياد الرغبة في خوض بحار الترجمة من كل حدبٍ وصوب بعدما اتسع سوق العمل الحُرّ، بات غياب الرقابة اللغوية التي يخضع لها عادة المترجم ثغرةً واضحة في الكثير من الترجمات المنشورة.
إذًا، كيفَ للمُترجم أن يرتقي بمحتواه اللغوي بعيدًا عن السَقطات التي من شأنها التأثيرُ سلبًا على جودة النص ورونقه؟ إن كنت مترجمًا مبتدئًا أو مشروع مترجم راغب في امتهانِ العمل الحُرّ، تابع القراءة واتبِع النصائح الآتية:
1) لا تُهمل البحث
“الترجمة ليست مجرد كلمات، بل إنها تسليط الضوء على ثقافة كاملة”. الترجمة هي عملية صياغة النصّ من ثقافة إلى أخرى وفقًا للسياق، لا مجرد مفردات لغوية كما ورَد عن الكاتب البريطاني انتوني برجس[1]، لذا فإنّ فضول البحث وتكوين خلفية ثقافية عن النصّ والشخصيات أو الظواهر المذكورة به هما الخطوة الأولى لعملية تطويع النص ليناسب السياق الثقافي الخاص باللغة الهدف.
فدليل جودة الترجمة هو ألّا يشعر القارئ بأنّ النص ليس أصليًا، فعليك تقريب المسافات بين الثقافتين قدر الإمكان. فالكلمات تختلفُ معانيها حسب سياق النص، والأمثلةُ كثيرة؛ منها على سبيل المثال كلمة “School[2]” والتي تعني “مَدرسة” في السياق العام، بينما قد تُفاجأ بأنها تعني “سربًا من الأسماك” في سياقٍ آخر.
فإن لم تقُم ببحثٍ وافٍ عن المعاني المتعددة للكلمة الواحدة، قد تُغير من مضمون النصّ تمامًا. وتنطبق هذه القاعدة أيضًا على ترجمة العبارات الاصطلاحية أو Idioms، وأسماء العَلَم والأماكن وغيرها من الرموز الثقافية المُحددة بزمان ومكان معيّنيْن.
فإذا صادفك على سبيل المثال مصطلح “[3]The bald eagle” قد تقوم بترجمته حرفيًا دون بذل الجهد في البحث عن دلالته الثقافية لتكتشف أنه رمز ثقافي (النسر) يشير إلى الولايات المتحدة الأمريكية خاصة إن كان السياق سياسيًا. وتزداد أهمية هذه النقطة بالتحديد بالنسبة لمترجمي الاجتماعات الدبلوماسية وخطابات القادة السياسيين أو المترجمين القانونيين لما قد يتسبب فيه خطأ صغير من متاعب لا يُحمد عُقباها. لذا، وسّع مداركك وتعمق كيْ تفهم سياق النص عن طريق البحث.
2) الاسترسال في الفلسفة
في بعض الأحيان، قد يتقمّص المترجم دور الكاتب في التعامل مع النصّ الذي سيُترجم. فيؤدي به الاسترسال في الفلسفة مثل اختيار مفردات تُضخم أو تهوّن من المعنى إلى غموض النصّ والتباس المعنى المقصود على القارئ، فيقصِد الإبداع في الصياغة ولكن يؤول به الأمر إلى تحييد النصّ عن مقصده.
ولا يعني هذا الجمود أو القولبة في الترجمة؛ فهناك من ضروب الترجمة ما يتطلب التعبير خارج الصندوق مثل الترجمة الأدبية، أو قد يكون المصطلح المذكور في اللغة الأصلية مألوفًا لأصحاب اللغة لكنّه مجهول بالنسبة إلى قراء النص المُتَرجم فيَلزم على المُترجِم إضافة الشرح إلى النصّ باستخدام الهوامش[4]. أي أنّ الإبداع مطلوب بالطبع، لكن يجب عليك الحرص على حفظ المعنى المراد من النص دون زيادة أو نقصان.
3) الخلط بين هوية اللغتين
إذا افترضنا أنك مُترجم عربي للغة الإنجليزية، فإنك مُعرّضٌ لحيلة كبيرة قد تتسلل إلى أسلوب ترجمتك دو أن تشعر وهي أن يتأثر أسلوب كتابتك للنصّ العربي بتراكيب اللغة الإنجليزية بسبب كثرة التعامل مع النصوص الإنجليزية. وتؤثر هذه الظاهرة على رصانة النصّ العربي وهويته المُتمثلة في التراكيب والاصطلاحات العربية، إليك بعض الأمثلة لتوضيح هذه النقطة:
- عادة ما تبدأ الجملة العربية بالفعل أو بالمبتدأ إن كانت اسمية، على عكس الإنجليزية التي تبدأ بالفاعل.
- يشيع استخدام المبني للمجهول في اللغة الإنجليزية، بينما الأصح في العربية البدء بالفاعل بدلًا من استخدام الخطأ الشائع “من قِبل فلان..”.
- بعض الأسماء لا تُبيّن جنس الفاعل إلّا في حالة وجود الضمير مثل “His\Her”، فيجب عليك في حالة غياب الضمير معرفة جنس الفاعل عن طريق بقية الجملة.
- لا تتضمن اللغة الإنجليزية صيغة المثنى، لذا يجب الاستدلال على عدد الأشخاص من سياق الجملة أو كلمات مثل “Both”.
- تتبع الصفة صيغة الموصوف في اللغة العربية مثل “رسالتان لطيفتان”، بينما لا تتأثر الصفة في اللغة الإنجليزية بالموصوف.
- يمكن أن يأتي الاسم في اللغة العربية بلا أداة تعريف، بينما أداة التعريف لازمة للاسم في الإنجليزية.
وفضلًا عن الفوارق الأسلوبية، هناك العديد من الاختلافات بين الرموز الثقافية والدينية بين اللغتين والتي يجب وضعها في الاعتبار مراعاةً لمعتقدات القارئ ولتجنيب النص الحساسية.
فيأتي دور المترجم في إيجاد المكافئ الثقافي[5] لكل مصطلح أو ظاهرة تُذكر في النصّ، مثل مفهوم الصلاة أو المناسبات الاجتماعية والدينية أو الشخصيات التاريخية والأمثال الشعبية والعلاقات الاجتماعية وغيرها؛ فإنّ روميو وجولييت الإنجليزية هما قيس وليلى العربية. وأرشّح لك هذه الدراسة البحثية إن كنت راغبًا في التعمّق في هذه النقطة.
وكي تخوض غمار البحرين الشاسعين للّغتين اللّتين تحترف أو تريد احتراف الترجمة منهما أو إليهما، أنصحُك بقراءة كتاب أسس الترجمة للدكتور عزالدين نجيب.
4) وهم إتقان اللغة الأم
يعتبر الكثير من المترجمين المبتدئين والهواة إتقان اللغة الأصلية أمرًا مسلمًا به ولا يحتاج للجهد أو التطوير، ويغفلون عن الكثير من الأخطاء الإملائية التي قد تلازم كتابتهم بلغتهم الأصلية وهذا خطأ فادح بالطبع.
احتراف الترجمة يتطلب دراسة لغتين بصورة مُتخصّصة وأكاديمية وتشرّب أساليبهما وقواعدهما وثقافتهما بما يكفي ليكون المترجم قادرًا على تضمين روح النصّ المصدر إلى النصّ الهدف، أي إتقان اللغتين بنفس القدر وبشكل محترف. ويُنصح عادةً بالكتاب الرائع لمبتدئي الترجمة “أخطاء المترجمين الشائعة” لكاتبه خالد توفيق لمساعدتهم على الإلمام بالقواعد اللغوية الأساسية وتجنب الأخطاء المتوقعة للمبتدئين.
5) الثقة في النسخة الأولى
الشك هو السلاح الأول للمترجم، فهو دافعه للبحث وفضول الاطّلاع والتحقق من صحة المعاني والتراكيب في النصّ. لذا، مهما بلغت درجة موهبة المترجم وخبرته فلابد ألّا يتعالى على المراجعة وتقفّي أثر الأخطاء التي قد غفل عنها. وبعد قيام المترجم أو المراجع الذي سيستلم النصّ بالمراجعة، ستصدُر النسخة الأفضل من النصّ المُتَرجم ليكتسب المترجم رصيده من الخبرة الحقيقية بعد ملاحظته لأخطائه.
6) الحرفيّة
نأتي أخيرًا للخطأ الأكثر فداحة وخطورة، والذي يعتبر للقارئ والمترجمين الأكثر خبرة وصمة في حق المترجم ودليلًا على ضعفه وهشاشة موهبته وهو الترجمة الحرفية. فالترجمة الحرفية عبارة عن نقل كلمة بكلمة وتجاهل بصمة السياق في صياغة المعنى، مما ينتج نصًّا مشوّهًا غامضًا مفتقدًا لرونق اللغة.
ففي أغلب الأحيان تُلغي الترجمة الحرفية شخصية المترجم الذي يقع فيها وتُهين عقله البشري، فلا يختلف ما يقوم به عن أي مترجم آلي لا يعي بالسياق الثقافي للنصّ ولا يشعر بروحه.
فعلى سبيل المثال، كلمة “kindergarten[6]” تعني بشكل حرفيّ “حديقة الأطفال”، بينما تشير في الحقيقة إلى مرحلة ما قبل الدراسة للطفل. وكي تتجنب الوقوع في الترجمة الحرفية، احرص على قراءة النص كاملًا قبل بدء الترجمة والبحث بشكلٍ وافٍ عن المصطلحات التي تجهلها حتى تتمكن من صياغة النصّ بشكل صحيح ورصين لغويًا.
وفي النهاية، فإن السرّ الحقيقي لتجنب أخطاء الترجمة هو الممارسة التي لا تُغني عنها كل المواد النظرية التي تتناول هذه النقطة، فإنّ الأخطاء التي تعمل على تصحيحها في نصّ اجتهدت في ترجمته بعد عناء طويل هي مفتاح إجادتك الحقيقية ولن تُمحى من ذاكرتك كلّما مارست الترجمة! ويمكنك أيضًا زيارتنا في جبران لتحصل على نصّ إبداعي مترجم بأيدي فريق من اللغويين المبدعين والكثير من الخدمات الأخرى.
[1] Responsive translation : Great quotes about translation
[2] Meaning of “School” in English\ Cambridge dictionary
[4] Footnotes in Translation. What for?
[5]الاختلافات اللغوية والمشاكل الثقافية في الترجمة
[6] Kindergarten definition and meaning | Collins English Dictionary
Leave a Reply